تعد الإبادة الجماعية الآشورية، التي غالبًا ما يتم تجاهلها في سرديات القرن العشرين، شهادة دامغة على عواقب التعصب الديني والكراهية العرقية. وقعت هذه الإبادة بين عامي 1914 و1920 خلال أيام الإمبراطورية العثمانية الأخيرة، حيث استهدفت الأقلية المسيحية الآشورية إلى جانب الأرمن واليونانيين. هذه الفظائع أسفرت عن مقتل ما يقرب من 300,000 آشوري، بينما تم تشريد العديد من الآخرين. رغم أهميتها التاريخية، تبقى الإبادة الجماعية الآشورية غير معترف بها بشكل واسع، وهي تذكير صادم بهشاشة العدالة والذاكرة في ظل المعاناة الجماعية.
الآشوريون هم شعب سامي قديم، وقد نشأوا في بلاد ما بين النهرين، المعروفة اليوم بالعراق وسوريا وتركيا وإيران. كانت هذه المنطقة مركزًا للحضارات العريقة، وشهدت تطور الآشوريين في مجالات الحكم والعمارة والثقافة، حيث أسسوا إمبراطورية قوية. رغم ذلك، بحلول أواخر القرن التاسع عشر، أصبحوا أقلية مهمشة داخل الإمبراطورية العثمانية.
كان الآشوريون في الغالب من المسيحيين ويمارسون طوائف مختلفة مثل كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية. تميزت هويتهم الدينية في الإمبراطورية العثمانية ذات الأغلبية المسلمة، مما جعلهم هدفًا للتمييز والتهميش. علاوة على ذلك، أدى صعود القومية وتوجهات الدولة العثمانية لتوحيد سكانها إلى تصاعد التوترات العرقية والدينية.
مع نهاية القرن التاسع عشر، شهدت الإمبراطورية العثمانية تدهورًا داخليًا نتيجة الهزائم العسكرية والانكماش الاقتصادي، مما جعلها تعرف باسم “رجل أوروبا المريض”. خلال هذه الفترة، نشأ شعور بالأزمة بين القادة العثمانيين، وبالأخص حركة “الشباب الأتراك” التي سعت لتحديث الإمبراطورية.
تبنى الأتراك الشباب رؤية لدولة تركية متجانسة تعارض الواقع الديموغرافي المتنوع في الإمبراطورية. لذلك، أصبح المسيحيون، بما في ذلك الآشوريون، يُنظر إليهم كأعداء داخليين، واعتُبروا تهديدًا للوحدة الوطنية. كما أن اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 منح الدولة العثمانية ذريعة لاستهداف هؤلاء “الأعداء”.
لم تكن الإبادة الجماعية الآشورية، المعروفة باسم “سيفو”، حدثًا مفردًا، بل سلسلة من الهجمات المنظمة التي تهدف إلى القضاء على الآشوريين. بدأت هذه المذابح في عام 1915، بالتوازي مع الإبادة الجماعية للأرمن، وتم تنفيذها من خلال القتل الجماعي والترحيل القسري والتجويع المتعمد.
تعرضت القرى الآشورية في جنوب شرق الأناضول، خاصة في هكاري وفان وطور عبدين، لهجمات مدمرة. حاصرت القوات العثمانية، مدعومة من الميليشيات الكردية، هذه المناطق، وقتلت الرجال والنساء والأطفال بوحشية. أشار الناجون إلى أن العديد من الضحايا تم إعدامهم باستخدام السيوف، ومن هنا جاء اسم “سيفو”.
واجه الناجون من المذابح مسيرات قسرية عبر الصحراء السورية، مماثلة لتلك التي تعرض لها الأرمن. خلال هذه المسيرات، هلك العديد منهم بسبب قلة الطعام والماء. لم يكن الهدف من الترحيل مجرد نقل السكان إلى أماكن أخرى، بل كان الهدف قتلهم من خلال الإرهاق والمجاعة.
إلى جانب العنف المباشر، عانى الآشوريون من المجاعة والمرض. تدمير القرى وتشريد السكان جعل الحصول على الطعام والماء مستحيلًا. وبالتالي، قضت المجاعة على مجتمعات بأكملها، مما أضاف المزيد من الفظائع إلى هذه الإبادة.
كانت الإبادة الجماعية الآشورية مدفوعة بهوية دينية وعرقية محددة. كونهم مسيحيين في إمبراطورية مسلمة، تم تهميش الآشوريون بشكل مستمر. كما أن صعود القومية الإسلامية بين بعض فصائل الدولة العثمانية زاد من عزلتهم. وبجانب ذلك، تم استهداف الزعماء الدينيين، مثل الكهنة والأساقفة، الذين كان لهم دور كبير في حماية مجتمعاتهم.
من جهة أخرى، لعبت العوامل العرقية دورًا مهمًا في تعزيز العزلة. فبينما كان الأرمن أكثر تحضرًا، كان الآشوريون يفتقرون إلى الدعم الدولي القوي، مما جعلهم هدفًا أسهل للجناة.
كان رد فعل المجتمع الدولي على الإبادة الجماعية الآشورية ضعيفًا. بينما وثق بعض المبشرين والدبلوماسيين هذه الفظائع، غالبًا ما تم تجاهل تقاريرهم. أدانت الدول المتحالفة تصرفات الدولة العثمانية، لكنها لم تتخذ خطوات فعالة للتدخل أو محاسبة الجناة.
على الرغم من محاولات بعض الحكومات، مثل السويد وهولندا، الاعتراف بالإبادة الجماعية الآشورية، فإن العديد من الدول الكبرى فشلت في اتخاذ موقف مماثل.
خلفت الإبادة الجماعية الآشورية تأثيرات مدمرة على الشعب الآشوري. تشتت الناجون في مختلف أنحاء العالم، ليشكلوا شتاتًا في دول مثل الولايات المتحدة وأستراليا والسويد. أثر هذا النزوح بشكل كبير على ثقافة الآشوريين، حيث أصبح من الصعب الحفاظ على لغتهم وتقاليدهم.
في وطنهم الأصلي، تعرض عددهم للتقلص بشكل ملحوظ. تم تدمير المجتمعات التي كانت قائمة منذ آلاف السنين، وأُهملت المواقع التاريخية.
تظل الإبادة الجماعية الآشورية من بين أكثر الإبادات الجماعية شهرة في القرن العشرين، لكنها لا تحظى بالاعتراف الكافي. تنكر الحكومة التركية هذه الفظائع، كما تفعل مع الإبادة الجماعية للأرمن. يعوق هذا الإنكار الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة للشعب الآشوري.
أخيرًا، تظل الإبادة الجماعية الآشورية تذكيرًا بمخاطر التعصب وعواقب الصمت في مواجهة الظلم. من خلال الاعتراف بهذه الفظائع وتعليم الأجيال القادمة حولها، يمكن أن نعمل معًا لضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي