قضية التسمم بمشروب كوكاكولا في اليابان: لغز لم يُحل
تُعد قضية التسمم بمشروب كوكاكولا في اليابان واحدة من أكثر القضايا الجنائية إثارة للجدل والإرباك في تاريخ البلاد. وقعت هذه القضية في السبعينيات من القرن العشرين، وأثرت بشكل عميق على الثقة العامة في علامة تجارية شهيرة مثل كوكاكولا. تظل هذه القضية حتى اليوم دون حل، مما ترك وراءه إرثًا من الأسئلة التي لم تجد إجابات حتى الآن.
قبل الخوض في تفاصيل القضية، من المهم أن نفهم المكانة الكبيرة التي كانت تحظى بها كوكاكولا في اليابان. دخلت كوكاكولا السوق اليابانية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، خلال الاحتلال الأمريكي. سرعان ما أصبحت كوكاكولا رمزًا للحداثة والتأثير الغربي، ومع تعافي الاقتصاد الياباني، ازداد استهلاكها لتصبح واحدة من أكثر المشروبات شهرة في البلاد.
من خلال انتشارها الواسع في المنازل وآلات البيع، أصبحت كوكاكولا جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في اليابان. هذا الانتشار جعلها هدفًا محتملاً للأعمال الإجرامية، وهو ما تأكد للأسف في عام 1977.
تصدرت قضية التسمم بكوكاكولا العناوين في صيف عام 1977 بعد أن اندلعت موجة من الحوادث المميتة التي شهدت تلوث منتجات كوكاكولا بالسم. بدأ الأمر في 12 يوليو 1977، عندما شربت شابة من مدينة فوكوياما زجاجة كوكاكولا من آلة بيع، فسقطت مغشيًا عليها ثم توفيت بعد فترة قصيرة. كان التسمم هو السبب الرئيسي للوفاة، لكن لغز كيفية تلوث الزجاجة حير المحققين.
توالت الحوادث في الأيام والأسابيع التي تلت ذلك، حيث أصيب العديد من الأشخاص، خاصة النساء، بأعراض مثل الغثيان والقيء والنوبات بعد تناولهم لمشروبات كوكاكولا. تم الكشف لاحقًا أن السم المستخدم كان الباراثيون، وهو مبيد حشري شديد السمية.
بدأت الشرطة اليابانية تحقيقًا واسعًا في القضية، لكن التحقيق واجه العديد من التحديات. انتشرت الزجاجات المسمومة في مناطق عدة ولم يكن هناك رابط واضح بين الضحايا. وتعددت النظريات حول سبب الحوادث، حيث افترض المحققون أن أحدهم قد عبث بآلات البيع. لكن، رغم التحقيقات والمقابلات مع المشتبه بهم، لم يجد المحققون أي دليل ملموس على هذا العبث.
نتيجة لهذه الحوادث، واجهت شركة كوكاكولا أزمة ضخمة في سمعتها. سحبت الشركة منتجاتها من آلات البيع في المناطق المتأثرة وزادت من عمليات التفتيش. ومع ذلك، ظل الجمهور في حالة من الخوف الشديد، حيث توقفت مبيعات كوكاكولا بشكل ملحوظ، وتجنب الناس شراء المشروبات من آلات البيع خوفًا من التسمم.
على الرغم من كثافة التحقيقات، لم يتم تحديد هوية الجاني أو الجناة المسؤولين عن التسمم. ظهرت العديد من النظريات، بعضها يشير إلى فرد غاضب كان يخطط للانتقام من الشركة، بينما تكهن آخرون أن الهجمات كانت جزءًا من مخطط ابتزاز أكبر.
كانت قضية التسمم بكوكاكولا نقطة تحول في المجتمع الياباني. من خلال شعور عام بالخوف والقلق، أصبحت آلات البيع مصدر شكوك دائمة. كما أن هذه الحوادث أجبرت الشركات على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في تعبئة وتوزيع منتجاتها، بما في ذلك إدخال أختام مقاومة للتلاعب.
على الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود، لا يزال لغز تسمم كوكاكولا دون حل. وتستمر القضايا المجهولة التي تركتها وراءها في تطارد ضحاياها والمجتمع الياباني حتى يومنا هذا. تتحدى هذه القضية الأجهزة الأمنية والتقنيات الحديثة في محاولة لفك أسرارها.