يعتبر اختراع أول حاسوب من أبرز الإنجازات في تاريخ البشرية. فقد أسس هذا الابتكار الرائد الأساس للحوسبة الحديثة، وبالتالي غير الطريقة التي نعيش بها ونعمل ونتواصل. لذلك، في هذه المقالة، سنتناول قصة أول حاسوب، من بدايات الحوسبة إلى تطور أول جهاز كمبيوتر، مع تسليط الضوء على الرواد الذين مهدوا الطريق لهذا الابتكار.
قبل ظهور أول حاسوب، سعى البشر، منذ وقت طويل، إلى إيجاد طرق لتسهيل العمليات الحسابية وأتمتتها. في الحضارات القديمة، استخدموا أدوات بسيطة مثل المعداد، الذي تم اختراعه حوالي 2400 قبل الميلاد. إذ يعتبر المعداد خطوة أولى نحو الحوسبة الميكانيكية.
في القرن السابع عشر، بدأ العلماء والمخترعون في تطوير آلات ميكانيكية لأتمتة العمليات الحسابية. على سبيل المثال، اخترع بليز باسكال جهاز “باسكالين” في عام 1642، الذي كان قادرًا على إجراء عمليات الجمع والطرح. وفي وقت لاحق، ابتكر غوتفريد فيلهلم لايبنتز جهازًا لإجراء عمليات الضرب والقسمة. ورغم هذه الابتكارات، إلا أن الأجهزة وقتها كانت محدودة للغاية، وبعيدة عن الآلات التي نعرفها اليوم.
يُعتبر تشارلز باباج، عالم الرياضيات والمخترع الإنجليزي، “أبو الكمبيوتر” بفضل ابتكاراته في مجال الحوسبة. في عام 1822، ابتكر باباج “محرك الفروق”، وهو آلة ميكانيكية لحساب الدوال الرياضية. وعلى الرغم من أنه لم يتمكن من إتمام بناء المحرك بالكامل بسبب قلة التمويل، إلا أن رؤيته كانت متقدمة جدًا لدرجة أنها شكلت أساسًا لما سيحدث لاحقًا.
في عام 1837، قام باباج بتصميم “المحرك التحليلي”، الذي كان يحتوي على عناصر أساسية لأجهزة الكمبيوتر الحديثة، مثل وحدة المعالجة المركزية (CPU) والذاكرة. على الرغم من أن المحرك لم يتم بناؤه في عصره، إلا أن تصميمه كان ثوريًا.
آدا لوفليس، ابنة الشاعر اللورد بايرون، كانت من أهم المساهمين في عمل باباج. إذ كانت مهتمة بشدة بمحرك باباج التحليلي. في عام 1843، ترجمت لوفليس مقالًا عن الآلة، وأضافت ملاحظات موسعة. وهذه الملاحظات تضمنت أول برنامج كمبيوتر في التاريخ، وهو خوارزمية لحساب أرقام برنولي باستخدام المحرك التحليلي.
من خلال ملاحظاتها، أدركت آدا أن الآلة قادرة على تجاوز الحسابات الرياضية البسيطة. كما تصورت قدرتها على التلاعب بالرموز وإنشاء الموسيقى والفن. وبالتالي، حصلت على لقب أول مبرمجة كمبيوتر في العالم، ولا تزال مساهماتها حجر الزاوية في تاريخ الحوسبة.
في عام 1936، قدم آلان تورينج، عالم الرياضيات والمنطق البريطاني، مفهوم الآلة العالمية. أصبحت هذه الآلة، التي تعرف الآن باسم “آلة تورينج”، أساسًا لعلوم الكمبيوتر الحديثة. يمكن لهذه الآلة إجراء أي عملية حسابية إذا توفرت الخوارزمية المناسبة.
تمكن تورينج من تطبيق عمله خلال الحرب العالمية الثانية، حيث لعب دورًا حيويًا في فك شفرة إنجما الألمانية. في بلتشلي بارك، طور تورينج وفريقه “القنبلة”، جهازًا كهروميكانيكيًا لفك الشيفرات. ساهم هذا الاختراع في انتصار الحلفاء، وفي الوقت ذاته ساعد في تطوير الآلات الآلية.
في الأربعينيات من القرن العشرين، بدأت أولى أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية تظهر. من بين هذه الأجهزة كان جهاز ENIAC، الذي يُعتبر أول جهاز كمبيوتر للأغراض العامة. صُمم جهاز ENIAC، الذي اكتمل بناؤه في عام 1945، ليُستخدم في العديد من التطبيقات، بما في ذلك حساب مسارات المدفعية.
كان جهاز ENIAC آلة ضخمة تضم حوالي 18000 أنبوب مفرغ. وكان أسرع بكثير من الأجهزة الميكانيكية السابقة، مما أظهر الإمكانيات الكبيرة للحوسبة الإلكترونية في مجموعة متنوعة من المجالات.
في عام 1945، قدم جون فون نيومان بنية البرامج المخزنة التي سمحت لأجهزة الكمبيوتر بتخزين البيانات والتعليمات في الذاكرة. هذه البنية أحدثت تقدمًا كبيرًا في مجال الحوسبة، حيث سمحت بمرونة أكبر في استخدام أجهزة الكمبيوتر.
كان أول جهاز كمبيوتر ينفذ هذه البنية هو EDSAC، الذي تم بناؤه في عام 1949 في جامعة كامبريدج. أصبح هذا النظام أساسًا لأجهزة الكمبيوتر الحديثة، حيث مهد الطريق لتحويل أجهزة الكمبيوتر من أدوات متخصصة إلى آلات متعددة الاستخدامات.
تاريخ أول جهاز كمبيوتر لا يتعلق بمخترع واحد أو جهاز واحد، بل هو سلسلة من الابتكارات التي أثرت بشكل جماعي في تطور التكنولوجيا. بدءًا من محرك باباج التحليلي وصولًا إلى ENIAC وما تلاه، بنينا كل إنجاز على ما قبله حتى وصلنا إلى أجهزة الكمبيوتر الرقمية التي نستخدمها اليوم.
إرث أول جهاز كمبيوتر يتجاوز أهميته التاريخية ليكون أساسًا لثورة المعلومات. لقد أدى اختراع الكمبيوتر إلى ظهور عصر المعلومات، وتحويل الصناعات والاقتصادات والمجتمعات. اليوم، أصبحت أجهزة الكمبيوتر جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية في العديد من المجالات.
اختراع أول جهاز كمبيوتر هو شهادة على الإبداع البشري. قصة أول حاسوب هي قصة عن أصحاب الرؤى مثل تشارلز باباج وآدا لوفليس وآلان تورينج، الذين تجرؤوا على الحلم بمستقبل يمكن فيه للآلات تعزيز القدرات البشرية. لقد أرست مساهماتهم الأساس لثورة تكنولوجية لا تزال تؤثر في عالمنا.