على مر العصور، كانت الصراعات بين السلطنة العثمانية والمماليك تمثل أحد أهم الفصول في تاريخ المنطقة. فقد كان لكل طرف طموحاته الخاصة، حيث سعى العثمانيون للتوسع نحو الغرب، بينما كانت المماليك تطمح لاستعادة السيطرة على الشرق.
بعد إحكام سيطرتهم على الأناضول، كانت العثمانيون يتطلعون للتوسع نحو مصر وبلاد الشام، بهدف السيطرة على المدن المقدسة في القدس ومكة. من جهته، كانت المماليك يرغبون في استعادة تجارة التوابل التي كانت تنطلق من مدينة القسطنطينية، المدينة التي فقدوها بعد غزو العثمانيون لها.
اندلع الصراع في عام 1516، حيث تمكن العثمانيون من تحقيق انتصارات سريعة في عدة معارك مثل مرج دابق. دفع هذا الهزائم المماليك إلى التراجع نحو مصر، وبدأت المنعطفات الحاسمة في نزاعهم، والتي بلغت ذروتها في معركة الريدانية.
قام السلطان طومان باي الثاني بالتصدي للغزو العثماني، حيث قرر مواجهة الجيش العثماني قبل أن يصلوا إلى القاهرة. في الوقت نفسه، كان العثمانيون قد تقدموا نحو مدينة العريش، متجهين بلا عوائق نحو بلبيس، وحتى وصلوا إلى بركة الحاج في 20 يناير 1517.
بعد أيام، وفي 22 يناير 1517، نشبت معركة حاسمة بين القوات العثمانية وطومان باي والتي أدت إلى هزيمة المماليك، مما مهد الطريق لدخول العثمانيين إلى القاهرة دون مقاومة تذكر.
على الرغم من الانتصار، إلا أن الفوضى سادت الشوارع حيث استباح العثمانيون المدينة، وأخذوا كل ما في متناولهم من متاع. كان المواطنون يعيشون في خوف دائم، في حين تعرض الشراكسة للملاحقات والذبح بدون رحمة.
ومع مرور الأيام، استطاع سليم الأول ضبط الأمور وإنهاء الفوضى، مما أعاد الأمور لحالة من الاستقرار النسبي.
لم يستسلم طومان باي، حيث عاد مع قوات من البدو لاستعادة المدينة التي انتزعها العثمانيون. ورغم تحقيقهم لبعض النجاح المؤقت، إلا أن العثمانيين عادوا بقوة، مما أدى إلى تشتت قوات المماليك وفرار طومان باي عبر النيل إلى الجيزة.
بعد انتصاره، أعلن سليم الأول عن عفو عام، لكنه وضع حداً للمماليك، حيث تم التركيز على ملاحقتهم. وتحت ضغط شعبي، تم الاستجابة لاستغاثات الأمراء الهاربين حيث تم القبض عليهم ولكن عُوملوا بإحسان، إذ أمر بسجنهم في قلاع مختلفة دون المساس بهم.
معركة الريدانية تمثل نقطة تحوّل حاسمة في تاريخ المنطقة، حيث كانت بداية النهاية للسلطة المملوكية في مصر وتأسيس العثمانيين كقوة عظمى في المنطقة.